ترانس كندا هي العمل الثاني للكاتبة “سماح صادق” والرواية الأولى لها، بعد ديوان شعري أصدرته في عام 2010 بعنوان “البنت البردانة في قلبي
سماح صادق، كاتبة وشاعرة، ولدت وعاشت بالقاهرة ودرست الأدب وحصلت على ليسانس آداب في الأدب العبري، ومن ثم استكملت دراستها بمجال الصحافة بالولايات المتحدة الأمريكية وأخيرًا هاجرت إلى كندا، نشرت ديوانها الأول “البنت البردانة في قلبي” في يناير 2010، عملت بالصحافة العربية وفي تحرير المواقع الإلكترونية لعدة سنوات 2005 – 2012، أسست في 2011 مجموعة حكايات عربية في مونتريال الأدبية، وحاليا تدرس الفرنسية وتصميم الجرافيك وتعمل كمترجمة ومحررة بالقطعة لبعض الدوريات العربية.
الرواية تدور حول “إيمان” التي عانت في صِغرها كثيرًا وشهدت الحدث الأكثر ترويعًا فشاهدت أمها وهي تقوم بالانتحار مُشعلةً النار بنفسها. ليترك ذلك في نفسها أثرًا لا يزول. كافحت إيمان حتى تخرجت في كلية السياحة والفنادق، كانت ترى في دراستها خلاصها من الذل والهوان والفقر، لم تسع للغِنى كانت تسعى فقط لأن تجد قوت يومها ولا تحتاج أحدًا.
الحياة ، الحياة لا تبدو جيدة أبدًا، ولا تُهدينا الأشياء عبثًا، أو تُهدينا لكن بعد أن تُسدد العديد من الصفعات إليك للحدِ الذي قد يجعلك أحيانًا لا تُصدق “هل هذا يحدث حقًا؟”. الأشياء الجيدة تحدث، والسيئة أيضًا، “يوسف” التي ظنت أنها امتلكته أخيرًا بعد فراق خوفًا من أخيه الذي هددها بحرق وجهها، والذي سافرت لأجله إلى كندا، والذي اعتقدت أن الحياة تُصفو لها من خلاله.. مات!
الغُربة..
أتساءل لماذا في بلاي يغبطون المسافرين خارجها؟ وكأنهم في جنةٍ مثلًا؟
الكاتبة هُنا تطرقت للأمر من منظور آخر، أو المنظور الحقيقي – الواقعي – والصحيح جدًا،
لماذا ينظر الآخرون للأمر وكأنهم يعيشون حياةً ورديةٍ؟
والأمر برمته ليس كذلك، فأنت لا تجد لك سندًا، وحيدًا شريدًا.
الغًربة بها سم قاتل.
“إيمان” التي وجدت نفسها وحيدة، شريدة بعد موت زوجها في بلدٍ غريب لا تجد ملجأ، ولا يُعيلها إلا التأمين الذي يحميها والذي لولاه لماتت جوعًا ومرضًا. السعي وراء المجهول، وإن كان -مُخيفًا- فقط لاقتفاء أثرِ حبيبٍ غادر، على أملٍ معلقٍ وحلم بائس بأن تعود الحياة وردية مرة أخرى على يديهِ. سافرت إيمان، مُخلفة وراءها كل شيء، ضحَّت بكل ما تملك من مالٍ على الرغم من الصعوبة التي كلفها جمعه، وهي تعي جيدًا أن ما كسبته من مال كان ليبقيها بمأمنٍ في مصرٍ لمدة طويلة وها هي تضحي به لتقضي أيامًا معدودة بحثًا عن حبيبها. هي التي تعي جيدًا قيمة المال.
وقيمة الحُب، الحب الذي بيدهِ أن يُبدل الحال، لا يُحسَّنه، لكن بوجودهِ تستحيل الألوان الداكنة لفراشاتٍ، لتجد كتِفًا تستند عليهِ في آخر الليل. الحب هو الطاقة الخفية التي تدفعك للاستمرار في كل مرةٍ تقرر فيها أن تتراجع، الحب الذي يجعلك تمضي قُدمًا وتؤمن أنه رغم كل السواد الذي تحيا به، إلا أنه على الأرض ما يستحق الحياة.
لا تؤجل رحيل اليوم إلى الغد. آلان، “زوجها الذي كانت تعي جيدًا مدى اتساع الفجوة بينهما، كانت تدرك أنه سيأتي اليوم الذي تتركه فيه وإن تأخر، وإن ماطلت في الأمر لأن بعض الأمور لا جدوى منها، فأوجب عليها ذلك أن تتوقف.
والآن.. لأنه لا مجال للاستمرار أكثر. ربما لم تظفر الرواية بأسلوب لغوي باذخ المعاني، إلا أنها كانت واقعية، أقرب للحقيقة منها للرواية، الواقع دون أي مُكسباتِ طعم أو لون، دون أي رتوش لتبدو الصورة أكثر حياة لا موتًا.
بدا لي بعد الانتهاء منها أن اختيارها للاسم “ترانس كندا” موفَّق جدًا. ذكرت الكاتبة معناه في إحدى المفردات التي وضَّحتها بأنه: اسم مجموعة الطرق السريعة “هاي واي” التي تربط بين المُدن الكندية، وبغض النظر عن هذا المعنى، تنقُل البطلة “إيمان” في المدن الكندية طوال الرواية قد يفي جدَا بذاك الوصف مُصاحبًا لذكرها تفاصيل حياتها وما مرت به، ذكرها للمدن وكأنها تروي محطات حياتها لا مُدنًا.
الرواية تحمل بين طيَّاتِها معلوماتٍ قد تبدو شيقة لمن لم يزر كندا من قبل، الكثير من تفاصيل المُدن، الأماكن، الشوارع أيضًا. ربَّما أيضًا أضاف إليها بريقًا واقعيًا أكثر. التفاصيل والأحداث كثيرة ولا داعي لذكرها جميعها. يُمكنك الاستمتاع بها كلها عند قراءتها.