صدر ولا يزال يصدر كل فترة كتب تتحدث عن الكتابة بشكل أو بآخر، بعضها يكون جيدًا، بعضها مفيد بشكل ملحوظ وبعضها ممتلئ بالحشو لدرجة أنك قد لا تستطيع استخراج معلومة مفيدة.
في سبتمبر لعام 2014 صدر كتاب «بين صوتين» للكاتبة الكويتية «بثينة العيسى» الصادر عن الدار العربية للعلوم، أضافت بثينة للعنوان عنوانًا صغيرًا أو توضيحًا وكتبت: «فنيَّات كتابة الحوار الروائي».
في كتاب صغير بحجم كف اليد تناقش الكاتبة بعضًا من آليات الكتابة التي رأت أنها ضرورية ومفيدة، ويقوم الكتاب على صياغة متبادلة بين الأسئلة والإجابات.
تجيب بثينة عن أسئلة تراود الكتاب قبل القراء دون أن تنحاز لأي كفةٍ عن الأخرى.
في البداية تقول بثينة إن مناقشة أي عمل أدبي، أو فني، أو إبداعي، لا يحدث على أرضية الصواب والخطأ، بل على أرضية السبب والنتيجة. فالفن والأدب ليس علمًا أو نظريات ثبت صحتها من عدمها، بل هي أشياء نسبية، أذواق نسبية، إن أحببت عملًا ما فذلك لا يعني بالضرورة أنه جيد، لكنه يعني أنه تماشى مع ذائقتك.
تطرح بثينة الأسئلة وتجيب عنها ببساطةٍ ودون إسهاب، تعطي الإجابة واضحة وصريحة.
ففي السؤال الأول مثلًا: تسأل بثينة: ما هو الحوار؟
ثم تجيب، وتقتبس على لسان «ستيفن كينج» بأن «الحوار هو الجزء الصوتي»، ومن عبدالرحمن منيف أنه: «الشريان الذي يمد الرواية بالحياة».
تقوم بُثينة بالتقاط إجابات من نواح عدة وتضيف رأيها ثم تتحدث في النهاية عن أهمية الحوار الناجح في الرواية وما الذي يحققه.
السؤال الثاني: كيف تكتب الحوار؟
تقتبس أيضًا عن كاتب فمثلًا عن إليزابيث بوين: «كتابة الحوار تتطلب براعة فنية أعلى من أي مُكون روائي آخر»، ثم تضيف قواعد كتابة الحوار الروائي لإليزابيث في سبع نقاط.
النقطة الثالثة لم تكن سؤالًا، بل تحدثت عن الحوار والإيجاز، وتقول على لسانِ «هاري بنغام»: «أبق الأحاديث قصيرة».
أضافت أمثلة توضيحية لكيفية صياغة حوار عن طريق عرض مثالين كاختيار محبَّذ وآخر ليس كذلك. وأوضحت الفرق بين الحوار الطويل والحوار الممل، ثم في النهاية تقول: «الاختصار بذاته ليس غاية بل وسيلة والمطلوب ليس كتابة الحوار بأقل قدرٍ من الكلمات بل الانتقاء النوعي لتلك الكلمات بالشكل الذي يحقق لها حضورها الفاعل في صناعة المعنى».
تنتقل بعدها لنقطة «الحوار إضافة لمعرفة القارئ».
تتابع أيضًا طرح الأمثلة ـ تقتبس من عدة روايات باعتبارها أمثلة توضيحية، توضح أهمية الحوار وأن له رسالة هامة في إيصال الفكرة، والمعلومات، والحالات النفسية، دون أن يشعر القارئ أن الكاتب يمارس عليه دور الأستاذ وفي ذاتِ الوقت يحول دول تحوَّل الرواية إلى محاضرة.
النقطة التي تليها كانت بعنوان: الحوار والواقعية.
تقول على لسان إليزابيث بوين «يجب ألا يحتوي على الكلمات الروتينية في الحوارات العادية».
تستمر بثينة في طرح الأسئلة، هل يفترض بالرواية أن تكون ورقة كربون عن الواقع؟ تجاوب «أن جاذبية الرواية تكمن في كونها تأويلاً للواقع».
النقطة التالية تحدثت عن الحوار والعفوية:
فهناك شخصيات تم رسمها بدقة فأصبحت مع الأيام والزمن وكأنهم أشخاص حقيقيين حتى ليتناسى البعض أنهم ليسوا إلا شخصيات روائية «مثل: شيرلوك هولمز – زوروبا»، فهي تتحدث عن فن خلق شخصية حية.
تقول إن الحوار ربما يكون أحد الأدوات التي تساعد في بناء شخصية حية لكنها وحدها، لا تكفي.
النقطة التالية تحدثت عن الحوار والحبكة.
تًعرف بثينة الحبكة: بأنها هي سلسلة الأحداث التي تتكون منها الحكاية، وأنها رصد لما يحدث. وهنا تتطرق بثينة إلى طريقتين لكشف أحداث الرواية وقسمتها إلى:
الكتابة المشهدية
الكتابة السردية
ثم تعقب هذا التقسيم بسؤال هام، كيف يمكن للكاتب تحديد الأسلوب المناسب؟ فتقول: «إن الاختيار بين الأسلوبين يعود إلى ما أسميه السلطة التقديرية للروائي».
النقطة التالية كانت الحوار والشخصيات
من أهمية الحوار – كما تقول بثنية – أنه يساهم في بناء الشخصيات، تقوم كما سبق بطرح الأمثلة لتكتمل الصورة للقارئ، الحوار يكشف الشخصيات إما صادقة أو كاذبة – أو خائفة – صفاتها ما تحب وما تكره، انعكاس الرغبات. وتضيف «إن ما تقوله الشخصيات والطريقة التي تقوله بها يتركان انطباعًا قويًا في القارئ».
في النقطة التالية تتحدث عن الحوار والوصف.
في البداية تعرف ما هي الكتابة الوصفية، باختصار هي «كتابة التفاصيل ومخاطبة الحواس».
ثم تتبع ذلك بسؤال هام: متى يكون الوصف ضروريًا للحوار ومتى يكون زائدًا؟
وتستشهد بعدة أمثلة موضحةً تأثير الحوار، كيف يمكن أن يعكس لغة الجسد، والكلام الهادئ، والعصبية.
فيما تلى ذلك تحدثت عن الحوار باعتباره إراحةٍ لعين القارئ. معلقةً بأن الحوار عادةً ما يكتب بشكل عمودي، وأن الحوار حينئذِ يعمل على تطرية جفاف العمل وجمود تدفقه الحكائي.
في الفقرة الأخيرة أو العنوان الأخير تحدثت عن لغة الحوار، وأعتقد أنه من أكثر الأسئلة الشائعة أو التي تدور في خلد الكاتبِ، بأيِ لغة الفصحى أم العامية؟
تضيف بثينة عدة تفضيلات لعدد من الكتاب، البعض رجح الفصحي، البعض رجح العامية ـ والبعض صنع مزيجًا ما بينهما، وتقول في ذلك «عليك أن تنجز هذا التحول برشاقة لا ينتبه لها القارئ».
في النهاية تقول «مهما كانت الأداة الفنية التي يختارها الكاتب يجب أن يكون قادرًا على تسويغ اختياره لها».
لماذا بين صوتين؟
لأن الكتاب كان شاملًا أو حاولت بثينة أن يكون جامعًا لعدة نقاط رأت أنها مفيدة، الجيد في الأمر أنه لم يكن هناك أي نوع من أنواع الحشو الزائد، بل كان هناك وضوحًا سواء في الأسئلة المباشرة أو في الإجابات المُدعمة بأملثة توضيحية.
شعرت أحيانًا أن الكتاب يحاورني دون أن يفرض علي شيئًا أو وجهة نظر معينة، فهو لا يحاول إقناعك بقدر ما يقوم بطرح الأسئلة وإجابتها دون انحياز.