صدرت الأعمال الشعرية الكاملة للشاعر الكبير مُريد البرغوثي عن دار الشروق في مجلدين كبيرين نوعًا ما كنسخة مُجددة عن تلك الصادرة في عام 1997.
علاقة مُريد البرغوثي بالشعر علاقةٍ قديمة منذ حوالي 1972 مع ديوانه الأول الطوفان وإعادة التكوين.
يقول مُريد البرغوثي متحدثًا عن الشعر في حواره مع بلال فضل:
“هو استخراج المدهش من المألوف ، والمباغت من العادي”.
فن أن تُخرج معانٍ قوية بأبسط كلمات ممكنة دون أي تكلف أو استخدام كلمات مُعقدة أو ثقيلة.
يرى مُريد البرغوثي أن النثر في مرتبةٍ عُليا ، أعلى من الشعر ، مما يدفعه لأن يحاول أن يرتقى بشعره للنثر ، أن يجعل شعره منثورًا كما قال في ذاتِ الحوار مع بلال فضل.
في الجزء الأول من الأعمال الكاملة يقول:
يقول
لك الصوت أو
لا يقول
هذا ما يحدث عادةً
بعض السفن تغرق قبل الإبحار
وبعض البدايات
نهاية.
بعض القصص لا تبدأ حتى تنتهي، بعضها يُكتب عليها أن تموت في أول خطوةٍ للقاء ، هكذا ، الصوت – ذاك الشيء بداخلك قد يخبرك بذلك وقد لا يحدث ، قد تصدقه وقد تكذبه فقط لأنك تود أن تبدأ ، لكن الواقع وحده يحكم ، كما بعض السفن تغرق قبل الإبحار.
ما الحياة إلا طيف يمشي
ممثل تعس
الحياة أحياناً ما تبدو مستحيلة التحقق نراها من بعيد نعتقد أنها ستتحقق لنا لكن بعد ذلك نستفيق لأننا نجد أنها مجرد طيف ولا نستطيع اللحاق بها ، الحياة كممثل تعيس لا يجد دورًا مناسبًأ فيتخبط في أدوار لا تليق به لكنه يقوم بها فقط لأنه يتوجب عليه ذلك لا أكثر.
الذكرى وحدها
مغرمة بالصورة
الذكرى وحدها هي من تجلب الصور مهما حاولنا تناسيها ، الذكرى المخزنة في عقولنا تعصف بنا ، تُعرض في مخيلتنا الصور متتالية كفيلم مأساوي لا يراه سوانا.
أنا مصاب بالليل
في الليل
كل الإجابات
غباء
هل يمكن أن نعتبر الليل مرضًا نصاب به؟
-نعم
الليل لا يمر مرور الكرام ، الليل يأتي بتساؤلاته التي لا تنتهي ، إعادة اليوم في عقلك ، الأشياء التي لم يتوجب عليك فعلها لكنك فعلتها بكل غباء ، الإجابات التي تظن أنك قد حصلت عليها وأخيرًا سترتاح تكتشف أنها تطرح أسئلة أخرى لتسلمك لنفس الدائرة من جديد.
حياتي لا تحملني على ظهرها
بل أحملها
من يحمل منا الآخر ؟
الحقيقة من الذي يتوجب عليه أن يفعل ؟
الحياة حمل ثقيل لا تحمِلنا رغم كبرها ، رغم إتساعها ، بل نحن من نحملها كثقلٍ يُثقل كاهلنا فيكسر ظهرونا – أحيانًا .
لا تكن عاشقًا لاصقًا
بالحبيبة
كالحلزون على الجذع
فالحب أيضَا يحب
الغياب.
أيهما أفضل ؟ الحضور الدائم ؟ الحضور المتطقع ؟
مُريد يعطي درسًأ في الحب أيضًا ، الإلتصاق بالحبيب الدائم ليس جيدًا بعض الغياب يخلق مساحة من الشوق ، أنت لا تغيب لتُشرق أنت دائمًا حاضرًا لا تغيب .
لا نعرف قيمة الأشياء إلا عندما نفقدها ، ربما غياب قصير يجعل الآخر يدرك قيمتنا بالفعل ، ربما الإلتصاق يخلق مللاً ..
الوهم
يمكن ان يطير
نعم ، للوهم أجنحة لا نراها ، إنها طريقته في الوصول إلى عقولنا دون أن ندري
صوت لا يمل المناداة
على من ليس هناك
نحن لا نتوقف عن الانتظار مع كامل علمنا أحياناً أنه لن يأتي أحد لكن رغم ذلك نظل واقفين ربما نوع من أنواع الأمل ، الأمل هو ما يدفعنا للإستمرار بالمُضي ، للمحاولة مرة أخرى
ربما هو نوع من اليأس ورفض لتصديق الواقع ” أنه لن يأتِ أحد”.
الخوف كل
مرة طازج
يباغتنا
كأننا قبله شجعان
حتي في المرة الآخيرة
نخاف للمرة الأولي
الخوف مرض أحيانًا ، في أوج سعادتنا يباغتنا ، في أوج ما اعتدنا عليه يباغتنا بأننا قد نفشل ، يهدد ثقتنا بأنفسنا ، بما نود فعله.
والأمل
ذروة اليأس يا صاحبي
الأمل
توجّع قليلًا
توجّع كثيرًا
فإن الأمل ذاته موجع
حين لا يتبقى سواه
الأمل سلاح ذو حدين قد يقودنا للحياة ، وقد يقودنا للموت ، الأمل المُعلق كلما طالت مًدته ازداد ألمه ، روحك المتعبة المتشبثة بآخر بصيص أمل تبدأ في التشكك في وجوده من الأساس ، اليأس يجعلنا أحياناً نخلق أملاً لا وجود له ، فقط لندفع أنفسنا للأمام ، الأمل مؤلم عندما يكون هو الشيء الوحيد المتبقي لنا والذي نعرف أن لا وجود له – من الأساس.
الرسائل في جعبتي
والعناوين مطموسة
لست أدري لمن سوف أوصلها
ثم لا باب ينتظر الآن دقات قلبي
غير أني أشيل علي كتفي جعبتي
وأواصل هذا الطواف.
لا طُرق تُفصح عن سكتها الصحيحة ، نحمل أملنا وتخبطنا ونسير علنا نصل ، الكلام الكثير العالق بأرواحنا نعلم أن علينا أن نخرجه يومًا ما لأحد ما ، الآن قد لا نعرف من هو ، نعرف أن لا أحد يبحث عنا في الجهة المقابلة لكننا رغم ذلك نحمل أنفسنا ونواصل السير – الذي لا نعرف إلى أين يقود ، نعرف فقط أن علينا أن نسير – علنا يومًا نصل.
وأود لو أرمي همومي في الهواء
كطابة فتظل عالقة هناك
أمنية عبثية لطيفة ، لو كان بإمكاننا تحقيقها فقط ..
ماذا لو كانت الحياة أهدتنا هذه الإمكانية أن نقذف همومنا \ مشاكلنا في الهواء كالكرة ولا تعود ، هكذا يسهل التخفف دومًا من الأحمال ونستطيع أن نمضي.
أتلمس أحوالي منذ ولدت
إلي اليوم
وفي يأسي أتذكر
أن هناك حياة بعد الموت
ولا مشكلة لدي
لكني أسأل
يا الله
أهناك حياة قبل الموت ؟
التأقلم عن أن هذا الذي نعيشه ما هو رحلة طالت او قصرت لكنها السبيل الوحيد للحياة لأننا في النهاية سنموت لتبدأ حياتنا الأخرى .
أقول ” علينا أن نضفي بعض الحياة على الموتِ الذي نعيشه “
لو كان بمقدورنا فقط أن نُحيل ما نعيشه لحياة تستحق لا لحياة تُسحق فتصير موتًا
هل هناك ولو أمل ضعيف بحياةٍ قبل الموت ؟ وكأن هذا الكون أعطاهم مخدات الحقيقة
ثم أسلمني وحيدًا
للأرق
لماذا يصاب البعض بالنوم ويصاب الآخرون بالأرق ؟ ما الذي يميز الفئتين عن بعضهما ؟ لماذا لديهم إجاباتهم أو ليس لديهم تساؤلات من الأساس فيأتيهم النوم من تحتهم ، ولماذا الآخرون لديهم أسئلة لا تهدأ وإجابات لا تشفي.
أريد صمتًا كامًلًا لا صوت فيه
” يمكن للراحة أن تكون صمتًا ” – طاغور
نريد صمتًا لا يكعر سكونه أحد ، لأننا ندرك أن الكلمات لا تُجدي ، والواقع لا يُنجد أحدًا ، وأننا مهما تحدثنا لن يفهم كلامنا – أحد .
ندرك أن أمر البكاء البكاء الذي لا يرى
وأن كل ما فيَّ يبكيك إلا عيوني
البكاء ليس فقط أن تدمع العين ، أن تغرق الوجنتين بالدموع ، البكاء هو بكاء الروح ، قد لا تبكي عيناك لكن روحك تفعل ، تشعر أن روحك تتساقط منك ، أن هناك خنجرًا دُس في قلبك فأخذ ينزف لكن لا يراه أحد .
قالت الأفعى
رغم أن البشر يلعونني
أظل أفضل من بعضهم وعندما ألدغ
أحدًا
فإنني على الأقل
لا أدعي صداقته
حكمة أخرى من مُريد ، فمهما كانت الأفعى سيئة فأنت على علمٍ تام منذ البداية بذلك ، تدرك انها خطرة ولا أمان لها ،عكس بعض البشر الذين يدعون محبتك ثم يلدغونك في ظهرك ، أنت الذي لم تتوقع أن يحدث ذلك منهم – للأسف.
قال التلميذ
في العالم العربي
أرواحنا وبيوتنا
لا تحتاج إلى الزلزال
كي تتشقق
أرواحنا وبيوتنا تتشقق من نزاعنا مع بعضنا ، من القصف الذي لا يهدأ لنرمم ما أحدثه من خراب ، أرواحنا مُتعبة ، مُثقلة ، مهترأة لا تحتاج لعامل خارجي آخر ، نكن مكسورون – بالفعل .
السمكة حتي وهي في شباك
الصيادين
تظل تحمل رائحة البحر
المُغترب مهما طالت غيبته يظل به لمسة تخص وطنه ، المحب الذي فارق مهما مرت عليه سنوات يظل لديه ذكرى لمحبوبه ، السجين مهما طال حبسه تظل به روح الحرية .
مريد لديه لغة و تعبيرات قد تبدو كلمات عادية جدًا لكنه فن أن ترسم لوحة رائعة وثرية بأقل الموارد المُتاحة .
أجزاء متفرقة من قصيدته ” منيف ” في رثاء اخيه
وأخي شهيد جَماله وخصاله
أناْ لم أجد رجلاً يعيش بقلب أمٍّ مِثْلَهُ!
رجل رؤومْ
فَتَكَتْ به لا كفُّ غادره الغليظةُ وحدَها
بل رِقةٌ في النفس مُضْمَرةٌ وباديةٌ
كَضَوْءِ فَراشةٍ غاصت بمخملِ وردةٍٍِ
فيبينُ جزءُ الجزءِ من كلتيهما
ويظل ما يخفى خيالاً لا يبينْ
…..
هو يمشي بمعطفه الكحليّ
الكرامة كلها…تحمل معطفها الكحليّ
البهاء كله ينقل خطاه على الرصيف، بحذائه الشتوي،
المودة كلها تشير كقروي طيب
يود لو يعانق المارة جميعاً
العفو كله يسرع وربطة عنقه
مائلة قليلاً بإهمال محبب…
وهنا بالضبط، هنا تحديداً
وليس حيث الأوغاد والسفلة
تقرر الظهور أيها الغدر الذي يسمونك الموت
لا لشيء
إلا لكي يصبح الكرامُ أقلَّ عَدداً
وكي ينقصوا إلى هذا الحدّ!