في الجزء الثاني من الأعمال الشعرية الكاملة لمريد البرغوثي يواصل مريد عزفه على الكلمات، شعر مريد يحدث القاريء، مليء بالحكِم والواقعية الشديدة دون إسراف أو بذخ في الكلمات.
يقول:
يا أيها الحلم الذي نشقى لكي نتجاذبه
الأحلام ليست سهلة نحن نشقى كي نحقق حلمًا واحدًا، نشقى كي نرسم ملامحه، الأحلام هي أطفالنا الصغيرة التي خلقناها وبثثنا فيها من أرواحنا وكلنا أمل بأن نراها تكبر وتتحقق يومًا ما
. .
تخرج من كل باب وتدخل كل زقاق
ولكنها لا تراه.
لماذا ما نبحث عنه لا نجده بسهولةٍ؟ لماذا نصاب بالعمى ولا نراه؟
ما نبحث عنه أحيانًا يكون أمامنا لكننا لا نبصره إما لأننا لا نبصر جيدًا أو أننا مشغولون بشيء آخر، أو أننا لا نبحث في المكان المناسب لأننا لا نتوقع أن نعثر عليه فيه
..
فقط
لو كان للحقيقة قوة
الإشاعة
الإشاعات قوية الانتشار كالوباء، والحقيقة تظل سرًا أحيانًا مهما حاولنا أن نجعلها علنية
حين تغدو الحياة
كحفنة ماء
نحاول أمساكها باليدين
مُريد يقول: “الحياة تستعصي على التبسيط”.
الحياة تستعصي على التحقيق \ الحدوث \ لماذا يصعب على الحياة أن تكون أقل صعوبة؟ أكثر تحققًا؟
.
جمال المرأة لا يُرى
إنه يكتشف
لأن الجمال جمال الروح والخصالِ، جمال القلب، لا من عين تراه من النظرة الأولى، عليك أن تسبح عميقًا كي تلمسه، كي تكتشفه بعيدًا عن القِناعات الخارجية
. .
إن ضاع غوث المستغيث
فما له شيء يضيعه
لدى كل منا خسارة ما تعرض لها تستحيل بعدها الحياة مسرحية لا يلقي لها بالًا، تصبح أحداثها لا شيء مغرٍ بها، خسارة تسفِه من باقي الخسارات فلا تعود تؤثر به، لم يعد لديه شيء ليخسره
. .
قل إنني المجنون
أبصر موت حلم رائع
وأواصله
.
كيف يمكننا أن نتوقف \ نحتاج لتلك اللحظة \ تلك الإشارة التي تقول لنا: ” توقف، هذا يكفي، الطريق مسدود ولن يؤول لشيء ” لكننا ورغم كل الإشارات المعاكسة للتيار نستمر في المُضي، نواصل نحو الأحلام الميتة – سلفًأ – لا نستطيع أن نتخلى عنها، أن نتخيل حياتنا من دونها، فنمضي إليها بكل يأسٍ وبؤسٍ ضاربين بكل شيء عرض الحائط
. .
وفي أعراسنا شيء من الحزن الخفي
ونربح كل شيء ثم نخسره
لماذا في أوجِ فرحتنا يسري إلينا حزن دفين مخلوط بخوفٍ؟ لماذا لا يمكن للسعادة أن تتحقق وتحدث باكتمال ولو لوقتٍ قليل؟ أن تكون سعادة تامة دون أي معكر لصفوها، لماذا لا يمكننا أن نملك ما نكسبه للأبد؟ لماذا لا بدَّ من خساراتٍ لا نتوقعها؟
. .
فإن الحياة لحوح ولا تتأجل من أجلنا
نحن ممتلئان بها نشوة وإنكسارًأ، جنونًا وعقلًا
حنانًا وخبثًا
الحياة قطار لا يتوقف إلا إذا أراد، لا إذا ما أردنا، نحن نحب الحياة، إذا ما استطعنا إليها سبيلًا حتى لو لم تبادلنا نفس الشعور، ممتلئون بها، نرفض الموت ونريده في ذات الوقت
من أين أبدأ ثانية
بعد هذا الختام
كيف يمكننا أن نبدأ من جديد؟ كيف بعد أن لمسنا النهاية بأيدينا ورأيناها بأعيننا – أن نبدأ من جديد؟
كيف يمكننا أن نبدأ ولا نخشى النهاية؟ كيف نمضي ولا نضع النهاية نصب أعيننا، كيف يمكننا أن نبدأ ونحن ندرك حجم التعب الذي سيواجهنا – ولا نخشى النهاية؟
.
قاسميني تعبي يا مُتعبة
إنني احتاج صدرًا موجعًا أبكي عليه
إن بي – مثلك – شيئًا من زجاج
وصدور المطمئئنين رخام
نحتاج لمن يشاركنا آلامُنا وأحزاننا، أن يكون قادرًا على استيعابها كبرت أو صغرت، الحزينون، المجروحون مثلنا أكثر من يكون بمقدورهم أن يشعروا بنا
” لا تشكو للناس جرحًا أنت صاحبه، لا يألم الجرح إلا من بهِ ألمُ ”
إن لم يدركوا حجم الألم ومعاناتِه، قسوته ومدى تأثيره على الروح، الحزينون جميلون يشعرون بك ولا يستخفون من آلأامك، الحزينون يجعلونك تشعر أنك لست البائس الوحيد، أن الحياة قاسيةُ على الجميع.
الذين لم يتعبوا ويقاسوا في حيواتهم لن يشعروا بك، صدروهم رخام إن أنت مِلتَ عليها – جرحتك
. .
إن أنت لم تمش فالأيام ماشية وحدها
وإن رجعت فأن الدرب لا يرجع
.
الأيام لا تتوقف لأحد أبدًا مهما أراد ذلك، إن توقفت لن تتوقف لأجلك لترى ماذا بك، ستظل تمشي. .
لماذا خطواتي لم تصل؟
أحيانًا نواصل السير، نواصل المحاولة لنصل لما نريد، نتعب، ولا نظفر بالراحة، لكننا – رغم ذلك – لا نصل.
لماذا؟
.
لم تغلق دائرة لنهايات الأشياء
إلا انفتحت دائرة لبدايتها
البداية والنهاية أحدهما مترتب على الآخر، لا توجد واحدة منهما إلا ووصلت الآخرى بعدها، بداية الشيء هو نهاية لشيء آخر، نهاية مرحلة ما هي بداية لمرحلة أخرى، لن تصل للثانية إلا إن أنهيت الأولى، ورحيل شخص أو انتهاء علاقة ما هو دومًا بداية لشيء آخر – حتى وإن تأخر. .
وها أنا لا أعرف الذي أريد أن أقوله.
لأننا لا ندري أحيانًا مالذي يتوجب علينا قوله، أو لأننا ادركنا حقيقة أن الكلام لن يجدي نفعًا.
أختم بقولهِ:
تغيرت
رُوضت
من بعض قرن إلى اليوم
لم أكتهل، غير أني اضعت صباي
تساقطت الآن عني خصالي
وأوصاف قلبي
فبتُ أري في المرايا سواي
واستهجن الناطقين بأسمي
وأبكي
كشيخ نجا بعد قتل بنيه.