باولا هي المجموعة القصصية الأولى للكاتب والشاعر عبدالله الزيود، صدرت في يونيو من هذا العام عن الدار العربية للعلوم ناشورن.عبدالله الزيود هو كاتب وشاعر من فلسطين حصل على عدة جوائز في الفترة من 2009 وحتى 2015.
عن باولا يقول عبدالله:
” مجموعتي هي مجموعة قصصية تتحدث عن الإنسان، الإنسان فقط بيعدًا عن أي اعتبارات من شأنها التفريق بين الناس على اختلاف ثقافاتهم “.
المجموعة من أولِ وهلةٍ تبدو واقعيةً جدًا لدرجة أنك قد تشعر أن الكاتب قد ألتقى بهذه الشخصيات بالفعل وأنها شخصيات تعيش معنا ، صدق المشاعر ودقة الأسلوب والوصف كانا عاملين هامين لأن تمس القصص القلوب.
المجموعة القصصية مختلفة، الشخصيات مرسومة بعناية بالإضافة إلى أنها من مختلف البلدان مثلًا من الأرجنتين، الهند، جنوب أفريقا، كندا إضافة بعض المعلومات التي تُكمل الصورة كنقاط مرجعية بسيطة مع عدم الإكثار بها – بعض الكتَّاب يقعون في هذه النقطة دون أن يشعروا، تستلزم بعض الحكايات معلومات ما فنجد أنهم توسعوا تمامًا لدرجة أنك تشعر أنه نوع من الاستعراض، لكن عبدالله لم يقع في هذا الفخ بجدارة.
بأقل كلمات ممكنة، لا داعي للسرد الطويل فبإيجاز تام استطاع أن يوصل الصورة كاملةً، الحذف، والنحت في الكلمات لتظهر في الصورة المطلوبة والمرجوة يستغرق وقتًأ وجهدًا وتركيزًا عاليًا.
المجموعة القصصية كانت بداية لفكرة “مشروع ناس” الذي عمل عليه الكاتب لمدة، هناك لوحة بورتريه مُرفقة لكل شخصية من عمل الفنان والروائي نذير الزغبي، بالإضافة لبعض الأداءات الصوتية لبعض الشخصيات بصوت الأستاذة لمى رأفت مما أضفى صورة متكاملة وأضفى واقعية على القصص.
الواقع ما نعيشه يوميًا، لا ما نقرأ عنه في الكتب، ما يحدث معنا أو مع الآخرين، عبدالله اهتم في مجموعته بالإنسان، بالقصص اللامرئية دون أن يضيف لها أي رتوش أو أدوات تزين، هكذا حقيقة عارية.
الحياة تكسر وتضرب بعنف ما من رادع لها، والناس يقفون لا حول لهم ولا قوة، هذه قصص تحدث لنا في الواقع – لا في الكتب.
تحتوي المجموعة القصصية على عشرين قصة بالإضافة إلى الجزء الأخير ADHD.. القصص أغلبها لا تتجاوز الصفحة، اختيار الشخصيات كان مميز جدًا، نوع من تسليط الضوء على فئة العمال الكادحين، أيضًا كان هناك قصة على لسان عاهرة وهي إضافة مختلفة بطريقة ما.
باولا هي القصة الثامنة عشر، باولا هي فتاة فقدت صدرها حين سكر حبيبها وأتى بالسكين وقطعه.
تقول “اليوم أقول للناس – إن سألوا – إنني أصبت بسرطان الثدي فيثنون على قوتي، وأضحك معهم كالفائزين“.
فلسفة أن نحول إنكساراتنا وخسائرنا إلى انتصاراتٍ ولو مزيفةٍ كي نستطيع أن نبقى على قيد الحياة ولا ننتحر، أن يكون بمقدورنا أن نمضي، أن نطمس الحقيقة التي نريد أن نتناساها، كيف يمكنك أن تصحو كل يوم وترى خيبتك كصورة تراها بعيون الناس؟ لذا نقرر أنها لنا وحدنا، نحن من يستطيع أن يراها فقط، يكفينا إنكسارنا لا ينبغي للعالم أن يعلم أننا مكسورون.
القصص تضج بالحياة، تضج بضجيج شخصياتها.. جون بولد أرجون – كما ذُكر في المجموعة هو مصور أعور عالمي، لقت عينه حتفها عندها ساقة الشغف إلى تصورة لثعبان.
هكذا هي الحياة نكسب أشياء مقابل خسراننا لأشياء أخرى، لكن هل يستحق الأمر؟ لماذا نرمي بأنفسنا إلى التهلكة؟ لماذا يغرينا النفوذ والمال والشهرة نصحو من اللذة لنجد أننا فقدنا أشياء يصعب الحياة بدونها.
كولي من هونج جونج، ترتجف من الخوف كلما اقترب منها رجل، مالذي يدفع الإنسان لأن يرتعد خوفًا كلما حادثه شخص آخر؟
ما الذي مر به ليصل لهذه المرحلة المتأخرة؟
الحياة كغابة إن لم تكن القوي تم إلتهامك وتخويفك.. فيني. مدرس الموسيقى الذي ماتت أمه
يقول:
“لقد عدتُ طفلًا وأنتظرتُ أمي، لكنني أدركتُ: لا شيء يحدث لمن تموت أمه“.
هذه العبارة قاسية ومؤلمة لكنها للأسف صحيحة، عبدالله يلعب بالكلمات بحرفية تامة ” لا شيء يحدث لمن تموت أمه ” مسبوقة بما قبلها تعني أن الحياة تتوقف لمن تموت أمه فلا أحداث ولا أشياء جيدة وانتظارات للأبد بلا أي عودة غائبين، أوبمفدرها أنه يقصد لا شيء يمكن أن يؤثر ويؤذي من فقد أمه لأن أسوأ شيء قد يحدث لشخص هو موت أمه.
“ميري – وينسون، أراد زوجها المغامر المشهور أن يهديها قفزة بالمظلة في عيد ميلادها من فوق برج خليفة، كان ينبغي للمظلة أن تنفتح على عبارة كل عام وأنتي بخير ميري لكنها لم تفتح وارتطم بالأرض”.
باللمحات التاريخية التي أضافها لكل شخصية أعطى تأثيرًا للقصص، مثلًا هنا لو لم يضف أنه مغامر مشهور لاختلف المعنى، لكان مجرد عمل لطيف من زوج لكنه باء بالفشل ربما لقله خبرته، لكن الإضافة اعطت عمق للمعنى كيف أن الحياة تختار الأوقات المناسبة لها من أوقاتنا بعناية الأوقات التي نتوقع فيها حدوث شيء، الأوقات التي نمارس فيها الحياة باعتيادية تامة فإذا بها تصفعنا.
أختم الحديث عن باولا بجزء من سرد عبدالله المميز في الجزء الأخير المسمى
ADHD
“قل لي كيف أملأ هذا الفراغ الهائل بالنوايا؟ وكيف لي أن لا أغفو على الأرض بعد كل هذا القلق كفرخ عصفور مصاف وأنا الذي حتى فترة قريبة
وأصدقائي يرون فيَّ الزغلول أتذكر كل كل شيء تقريبًا”.
/
يمكنكم الاستماع لمشروع ناس على موقع الساوند كلاود به عدة قصص من باولا