كيف كانت البداية؟
ربما كان الأساسان اللذان قامت عليهما السوشيال ميديا هما كلًا من: القدرة التواصل مع الآخر وحب المشاركة، المقدرة على التواصل وإن كان الشخص في الجزء الآخر من الأرض، ومشاركة تفاصيل بل ومعلومات حياتية مع الآخرين الذين نختارهم.
لهذا الحد تبدو الأمور جيدة، لكن عندما تتحول الأمور إلى نوع من أنواع الهوس وتبدأ الأمور في أخذ منحنيات أخرى بعيدة عن نقطة البداية قد لا تبدو الأمور بخير حينها.
حب المشاركة الذي بدأ كحبٍ ومن ثم بدأ يتفاقم ليصبح هوسًا، لنجد مثلًا أحدهم يقوم بوضع صورة أو منشور كل فترات قصيرة جدًا مشاركًا ما يفعله أو يأكله أو أيًا كان مع الآخرين، بل وحريصًا أشد الحرص على ذلك.
الإنترنت الذي أصبح شيئًا أساسيًا في الحياة ليس فقط لأجل المعلومات أو للعمل، فمواقِع السوشيال ميديا قامت باحتكار – ولو بطريقة ما – للعقول.
فقد تجد أحدهم غاضبًا جدًا لأن الخدمة انقطعت، وسَبب غضبه أنه لم يعد باستطاعته وضع منشورات مثلًا.
هل يتم تضييع مُتعة اللحظة لأجل توثيقها؟
السؤال الذي يطرأ إلى ذهني، أيهما أفضل توثيق اللحظة أم الاستمتاع بها؟ وهل توثيقها يقتل جزءًا من مُتعتها؟
بالتقاط الصورة هل يقْتطع ذلك من وقت المُتعة؟ هل سيفوت الشخص شيئًا؟ وتسجيل الفيديو، وأن ينظر للحدث خلال الهاتف، لا مباشرة بلا حاجز بصري، هل يعد اختلافًا في المتعة؟
سابقًا كان من يفعل ذلك المصورون أو الصّحفيون مثلًا، الأشخاص الذي يعتبر هذا نوعًا من عملهم وعليهم توثيق الأحداث بشكل ما، وبعيدًا أن السوشيال ميديا ساهمت بشكل ما في ظهور عدد قد يبدو مهولًا من المُصورين، إلا أنه بطريقة ما صار هوسًا.
بعد ذلك ظهرت خاصية البث المباشر، فعَّلها كل من تويتر وفيسبوك وإنستجرام، لم تعد مجرد صورة أو فيديو، بل نقل حي للحدث ومشاركته للآخرين
السؤال الأهم إلى أي مدى يعتبر ذلك هوسًا؟ وهل المشاركة في حد ذاتها شيء سيء؟
إلى أي مدى قد يصل الأمر؟
الهواتف الذكية تتطور عامًا بعد عام، بل كل ساعة، ورغم أن الهواتف ذات الكاميرا الأمامية ظهرت منذ سنين طويلة ربما في ٢٠٠٣، عندما ظهر كلًا من:
سوني إريكسون z 1010 و موتوريلا A 835
إلا أننا لم نجد أي هوس، وإن التقطَ البعض لأنفسهم حينها مَا يُسمى الآن بالسيلفي، دون أن يعلموا أن يومًا ما، ما فعلوه عبثًا سيصير أمرًا معروفًا بهذا الشكل.
إذن ما الذي حدث؟
مع ظهور مواقع التواصل الاجتماعي عامة، والتطبيقات المتعلقة بالصور والتصوير خاصة مثل إنستجرام الذي ظهر في نهاية عام ٢٠١٠، والذي يعتبر الآن من أهم التطبيقات المرتبطة بالتصوير.
هذا الانفتاح الضخم والتواصل والمشاركة التي قد تصل لأدق التفاصيل خلقت نوعًا ربما من التقليد المبرر أو غير المبرر، أو ربما حب التجربة، أشخاص يقومون بفعل أشياء ما وآخرون يقلدونهم، ستمكث في الشرق وسيكون بمقدورك بسهولة أن تتابع ما يفعله أناس لا تعرفهم وقد لا تراهم أبدًا في أقصى الغرب.
لكن الأمور لم تتوقف عند هذا الحد، كالعادة، فالهوس بالتقاط الصور بطريقة السيلفي أدى لظهور بعض الدراسات المتعلقة بالأشخاص الذين يقومون باتباع هذه الطريقة وما إذا كان هناك اختلاف مثلًا بينهم وبين الذين يلتقطون صورًا بالطريقة العادية؟
مرضى نفسيون؟ أم طبيعيون؟
ربما أخذ الأمر أكبر من حجمه وربما لا، ربما بسبب انتشار ما نستطيع أن نطلق عليها ظاهرة أو لا نَستطيع.
في ٢٠١٥ نُشرت دراسة تشير إلى أن مُلتقطي الصور بطريقة السيلفي ربما يعانون من بعض المشاكل النفسية، من منظورها تعتقد هذه الدراسة أن الأشخاص النرجسيين يميلون بطريقة ما للتباهي بأنفسهم فلذلك هم يميلون أكثر لالتقاطِ السيلفي.
على النقيض في ٢٠١٦ نُشرت في سي إن إن، دراسة تقول العكس،
وأن الأشخاص المُختفين على السوشيال ميديا بطريقة كبيرة لديهم ثقة قليلة بأنفسهم، وأن مُتابعتهم لصور الآخرين تعطيهم شعورًا بأنهم أقل من الآخرين.
من ناحية أخري التقاط السيلفي يقوم ببناء الثقة بالنفس بطريقة ما،
وسلط المقال الضوء على المجموعات في الفيسبوك التي تضم أشخاصًا مهتمين بصحتهم الجسدية، وأن مشاركة هذه الصور مع الآخرين ترفع عزمهم على المُضي أكثر.
ونَوَّهوا إلى العديد من المشاركات أيضًا على إنستجرام على هاشتاج:
عندما يجلب الهوس الموت
في بحث في عام ٢٠١٦ وجد أن حالات الموت كانت بنسبة:
حوالي ٧٥٪ في الرجال، ٢٦.٥٪ في النساء.
واحتل السقوط من المرتفعات المرتبة الأولى في طريقة الموت تلاها الغرق ثم القطارات.
واحتلت الهند المرتبة الأولى في البلدان التي يكثر بها الموت نتيجة «السيلفي» ثم روسيا ثم الولايات المتحدة.
مثلًا:
كارن هيرناندز، فتاة بعمر الثالثة عشر، أرادت أن تلتقط صورة سيلفي مع نهر التونال، لكن للأسف، انزلقت في الطين، خلال دقائق كانت قد غرقت.
النجم الموسيقي المعروف، في مايو ٢٠١٤ توقف لالتقاط صورة ليشاركها مع مُتابعيه على الإنستجرام، لكنه فقد السيطرة على دراجته واصطدم بسيارة، تم نقله إلى المستشفى ومات هناك.
الفيديو عن خبر انقلابه بالدراجة.
آخرون
في مقال بعنوان: ١٥ سيلفي تم أخذهم قبل الموت مباشرة
السبب أحيانًا قد يكون أكثر من نحب
ليز ماركس، تروي عن تجربتها المؤلمة، والدتها دائمًا ما كانت تنبهها ألا تستخدم الهاتف أثناء القيادة، ولكن حدث في يوم ما أن راسَلتها والدتها وقامت ليز بالرد عليها، وفي لمح البصر وقعت الحادثة.
ليز فقدت الكثير، أصابها العمى كما تقول، فقدت قدرتها على البكاء في كلتا عينيها، لا تستطيع أن تستخدم حاسة الشم كما يجب، أصْحبت وحيدة تمامًا وحياتها بطريقة ما توقفت.
الفيديو لـ«ليز» وهي تتحدث عن الواقعة.
هل أصبحت السوشيال ميديا سببًا للشقاء؟
تبعًا لما كتب بالأعلى، وللأجزاءِ السابقة التي نشرت ضمن هذه السلسلة
فهل يمكن اعتبار السوشيال سببًا للشقاء؟ هل يجلب الإنسان لنفسه التعاسة؟
في دراسات كثيرة بُدأت لسبيلِ الوصول إلى إذا ما كانت السوشيال ميديا تؤثر سلبًا علينا، الدلائل أغلبها أشارت أنه كلما قلت عدد ساعات استخدامك لها، زادت سعادتك.
في دراسة أقيمت في إيطاليا أكدت ما وجده الباحثون الأمريكيون: أن قضاء وقت طويل في السوشيال ميديا مرتبط ارتباطًا سلبيًا مع كون الشخص بخير.
الفيديو عن تأثير السوشيال ميديا وارتباطها بالسعادة – نقلًا عن شبكة
تابعوهم ولكن
نحن بشر ولسنا صورًا، والتعامل من خلف الشاشة دائمًا ليس جيدًا، والانخراط التام لدرجة نسيان حياتنا، بل والتسبب في جلب الأذية لأنفسنا ليس محمودًا بالتأكيد، لنتواصل، ونشارك، لكن دون أن نضيع حياتنا من أيدينا.