كيف كانت البداية مرة أخرى ؟
من فطرة الإنسان أن يحتاج للتواصل مع الآخرين، فمنذ البداية استحوذ الأمر على تفكيره، فكان يرسل خطاباته بالحمام، ثم البريد والتلغراف، ثم كان اختراع الهاتف في عام ١٨٤٤، ثم مع التقدم قليلًا ظهر الإنترنت.
لربما في البداية كان السبب الرئيس في ظهور وسائل الاتصال هو بُعد المسافة ما بين بلد وبلد، فلن يكون سهلًا أو ممكنًا لكل الأشخاص أن يسافروا، مثلًا عند الأخبار العاجلة التي يجب نقلها أو لمجرد التواصل والاطمئنان على بعضهم البعض، وإن كان نقلها قد يستغرق أيامًا، لكن كان ذلك بديلًا جيدًا حينها عن السفر.
مع انتشار الهاتف بشكل أوسع وإن كانت الشبكات الأرضية وليست شبكات المحمول، بدأ الأمر يأخذ مسارًا مختلفًا قليلًا ، فبدلًا عن أن تزور شخصًا ما، تقوم بمكالمته فقط، لكن كان ذلك لعلةٍ ما، مع الوقت اختلف الوضع أكثر، وازداد سوءًا، وأصبحت مواقع التواصل تُغني البعض عن اللقاء الحقيقي، وهذا بالطبع كان له أثر سلبي على العلاقات الاجتماعية بشكل عام.
.
من صعوبة الوصول إلى أنت سهل الوصول إليك
ننتقل إلى نقطة أخرى، فمن النتائج، بل من الظواهر التي ترتبت على ظهور وانتشار السوشيال ميديا، حقيقة أنك متاح دائمًا، من يريدك سيجدك بسهولة، ويستطيع الحديث معك في أي وقت، أنت متاح لمعارفك، لأقربائك الذين تحبهم، وأيضًا الذين لا تحبهم، لمديرك في العمل، وحتى العملاء الذين لديهم مصالح معك، أنت سهل الوصول إليك، وهذا بالطبع مُقيت في أحيانٍ كثيرة، ليس لديك متسع، حتى العمل يتواصل معك في خارج الوقت المحدد له!
كيف تتصرف؟
السوشيال ميديا ساعدت في تقييدك، لن يتفهم أحد أنك لا تريد الحديث الآن، وأن هذا ليس الوقت المناسب لذلك، وهذا العميل الذي يتواصل معك في غير وقت العمل لم يفكر بأن لك حياتك الشخصية، لكنك حينها ستبدو شخصًا غريبًا عديم الذوق، ذلك الذي لا يرد على الآخرين متى تحدثوا إليه، عليك الاختيار بين أن تؤذي ذاتك نفسيًا، ولن يتفهم أحد ذلك، أو لا تهتم وكأنهم لم يظهروا.
صداقاتٍ عابرة أم روابط حقيقة ؟
في الماضي ظهرت الصداقة عبر المراسلة واعتقد أن الأمر كان لطيفًا من حيث القيام بالكتابة بالورقة والقلم، مع التطور اختفت الفكرة تقريبًا، لكن صار بإمكانك أن تصادق أي شخص في أي بلدٍ كان بكل سهولة.
الافتراضية ليست الحل، لكن هناك علاقات لن تتأثر إن بُنيت عليها، كالعمل مثلًا، لن يؤثر أن تتواصل إلكترونيًا مع العملاء أو حتى مديرك في العمل لتكون العلاقة ناجحة.
علاقات صداقة كثيرة بدأت من السوشيال ميديا، علاقات كثيرة انتهت بسببه، لكن هل يمكننا القول بأنها علاقات حقيقية بنسبة ١٠٠٪؟
علاقات الصداقة وإن بدأت على استحياء وخوف من الآخر بطبيعة الحال، إلا أن كثيرًا منها تطور لعلاقات حب، كثير منها فشل، والآن يمكننا القول بأن كثيرًا منها نجح وتكلل بالزواج.
مثلًا:
براينستلير وجايم شوباك اللذان تقابلا بسبب تويتر عندما كانت جايم تتحدث عن الازدحام في نيويورك كجزء من عملها، وقرأ براين ما كتبته، وقام بمراسلتها، وبعد عدة أسابيع بدأت علاقتهم الجدية، وبعد عدة سنوات تزوجا.
أيضًا كيندراكوسر وسين برينالتقيا بسبب فيسبوك، وفي البداية لم يتبادلا أي حديث، حتى مرت حوالى ستة أشهر، ثم بدأت كيندرا في الإعجاب ببعض صور سين، وبعدها تحدثت معه بدافع من الفضول، ثم عادت إلى مسقط رأسها – الذي هو بالمصادفة نفس المكان الذي يعيش فيه سين – ومن ثم تطورت العلاقة بينهما حتى تزوجا بعد ثلاثة أعوام ونصف تقريبًا منذ أن قاما بإضافة بعضهما البعض، هناك أيضًا بعض القصص الأخرى في
أزواج تقابلوا ووقعوا في الحب في السوشيال ميديا وأيضًا ٩ آزواج على الإنترنت يشاركون قصصهم
من الخطابات والانتظار إلى التعليقات والفذلكة!
إن الأشياء ما إن تبدأ في أخذ اتجاه ما يصعب إيقافها ، بعد أن كان الشخص ينتظر خطاب فقط ممن يحب كل عدة أيام، صار الآن يتواصل معه في كل لحظة، بل بإمكانه أن يراه وإن كان في الطرف الآخر من الأرض، لا أحد ينكر أن هذا التطور في صالح الأشخاص ككل حقيقي جدًا.
لكن من ناحية أخرى أو عند أشخاص آخرين سفّه ذلك من الحب، أو تم ابتذاله واختزاله في اعجابات وتعليقات، مشاكل تنشأ من لماذا لم تضغط إعجاب؟ من الذي قام بكتابة هذا عندك، بل صار ذلك من دلائل الحب الاهتمام على السوشيال ميديا !
هل كان للسوشيال ميديا يد في إخماد العاطفة؟
كلنا نسمع أنه في بعض العلاقات يُقال للأشخاص خذوا هُدنة من بعضكم البعض ليزداد الشوق، فهل فكرة الإتاحة الدائمة للشخص ساعدت على إخماد العاطفة سريعًا؟
ظهور العلاقات للعلن، أقصد ظهور تفاصيل بعض العلاقات للعلن؛ أدى لحالة دائمة من المقارنة بالآخر، وهذا بالطبع يؤدي لمشاكل، لا أحد يتذكر أن لكل شخص جانبًا آخر، الكل يُبدي الجانب الحُلو، الهدايا والتفاصيل، القِلة تذكر المواقف والصعاب وتحمل الآخر .
الوضع تحت الميكروسكوب يُظهر أشياء كانت لن تظهر بسهولة، بطريقة ما أخرى تمامًا ساعدت السوشيال ميديا في كشف جوانب من الأشخاص ما كانت لتظهر في فترة الارتباط أو الخطوبة، ولولا تفاصيل صغيرة ظهرت.
الجانب السيئ لا يتوانى عن الظهور أبدًا، يمكن لأشخاص الآن أن يقبلوا شخصًا أو يرفضوه تبعًا لحسابه الشخصي فقط ، العديد والعديد من المشاكل التي تظهر بعد الزواج؛ لأن الحكم على الشخص منذ البداية كان خطأ، كان حكمًا ظاهريًا ضيقًا .
من وسيلةٍ للتواصل، لسبب في الانفصال:
الأشياء بطبيعتها لا تبقى على حالٍ واحد، والإنسان لديه فن استخدام الأشياء أسوأ استخدام لها .
تبعًا للدراسات ٢٥٪ من أزواج فيسبوك يحدث بينهم خلافات مرة في الإسبوع على الأقل، وشخص كل خمسةِ أشخاص وجدوا على الفيسبوك شيئًا ما جعلهم نادمين وغير مستقرين في العلاقة، أكثر من ١٠٪ يقولون أن فيسبوك سببًا للغيرة والخطر.
تبعًا لما ذُكر في لماذا تسبب السوشيال ميديا الطلاق ؟
ظهور مشاكل من العدم أو ما كانت لتظهر سابقًا مثلًا معرفة الأزواج لكلمة سر بعضهم البعض، الخلاف ما بين هل من حقهم أن يعرفوه؟ من باب أن الزواج هو المشاركة، ولا يوجد أسرار ما بينهم، أم لا يجب ذلك؛ لأنه جزء من المساحة الشخصية؟
في حوار مع دكتور بريت تونر، مستشار في العلاقات الزوجية، قال إنه ليس متأكدًا تمامًا إن كان فيسبوك سببًا للطلاق، لكنه ربما ساعد على ظهور مشاكل ما كانت لتظهر بسهولة، حتى لو كان أشخاص تعرفهم منذ سنين، لكن لم يكن هناك فرصة لتعرفهم جيدًا.
الحوار كاملًا :
تابعوهم ولكن لا تحبوهم حتى تعرفوهم !
ليس من الصحة أبدًا بناء علاقة أيًا كان نوعها افتراضيًا فقط، على العلاقة أن تأخذ مجرى طبيعيًا، لا بأس إن بدأت من السوشيال ميديا، لكن يجب بعدها أن تنتقل من كونها إلكترونية لتكون حقيقية.